تعتبر قضايا المرأة المعاصرة موضع جدل عند كافة شرائح المجتمع المختلفة، وقد أخذ هذا الموضوع حظاً وافراً من المناقشة والمحاورة والتنظير، فتولّد هذا المخاض الطويل عن سيل من الحبر المكتوب في أعداد هائلة من المقالات والدراسات التي لم يترجم منها في أرض الواقع سوى النزر اليسير الذي لا يتناسب مع طبيعة المرحلة التي نعيشها.. وهذا ما دعاني لأثير بعض الأفكار وأناقش بعض المفاهيم لشريحةٍ مثقفةٍ برزت كصوتٍ ناطق للأغلبية الصامتة من نساء المجتمع خصوصاً من حمل منهن لواء التوجيه العام أو الكتابة الصحفية أو الحديث باسم المرأة السعودية من ذوي التوجه الإسلامي.. ولعل المقام يقتضي إبراز أهمها بإجمال في النقاط التالية:
1= كثُر الحديث إلى درجة الإنحراف حول التغير السريع لمجتمعنا وتطوّر آليات إنفتاحه على العالم بصورة مذهلة والأخطار المحدقة بالمرأة جرّاء هذا السيل، لكن النتيجة لذلك الخطاب أدى إلى تمحور جلّ الأنشطة النسائية نحو إتهام الآخرين بالوقوف وراء هذا المدّ التسونامي ودفع الشبه عنهن ومحاربة أعراض ذلك التغيّر دون الغوص في أمراضه، ونشأ بالتالي فقه يقوم على الولاء والبراء لمسائل شرعية نتجت عن هذا التغيّر كعباءة المرأة وقيادتها للسيارة أو دخولها للإنتخابات أو سفرها بغير محرم إلى غيره من القضايا التي لم تصل على مرّ التأريخ الإسلامي أن تصبح ثوابت دينية لا تقبل النقاش، ومع أهمية طرحها إلا أن دورها لا ينبغي أن يقفز على أولويات أهم وأعظم لم تعط الوقت الكافي للتفكير فضلا عن التنفيذ كحقوقها المتنوعة ودورها في التنمية والمشاركة المنضبطة في مؤسسات المجتمع.. إعتقد أن دور المرأة في المرحلة الراهنة قد تقزم وأنكمش نحو الخوف على الهوية والذوبان في الآخر مما حجم دورها وأضعف إمكانيتها التي لا توجد في كثير من المجتمعات.. إن ما نملكه من قيم إسلامية ومنهج رباني يكفل للمرأة قدراً من التأثير ودوراً في إصلاح ما ينبغي إبرازه في هذه المرحلة الحرجة من تأريخ المرأة السعودية، ولا يتم ذلك إلا بإقامة البرامج التنموية والمشاريع البّناءه من خلال مؤسسات إجتماعية ومراكز بحثية ومعاهد فنية وإقتصادية تعالج كافة مشكلات وإحتياجات المرأة، وتدمج كافة الطيف الإجتماعي من غير تمييز أو تهميش لأحد، وهذا ما ينقلنا من خنادق الدفاع المميت وأقبية الإنطواء المخيف إلى مرحلة بناء المشاريع المتقدمة والفضاء المفتوح نحو مجالات حيوية في أرض الآخرين.
2= ضمور الفكر الناقد وإنسداد أفاق التفكير الموضوعي لدى كثير من المثقفات الإسلاميات ربما يؤجل عددا من المبادرات التنموية لنساء المجتمع، ولعلي أبرر هذا الغياب بقلّة الوسائل الناجعة لإيصال أفكارهم وتنفيذها من خلال النظم والقوانين، وكذلك وصاية الرجل الكاملة عليها، ما أدى إلى ذهاب الكثير من الجهود بلا جدوى، وماله جدوى لا يجد ما ينميه من جهود وأموال.
إن غياب هذه الأنماط من التفكير المنطقي وضيق الأفق المعرفي والحضاري لدى النخب النسائية، وندرة المؤسسات العلمية وقلّة الأنشطة الذهنية، ساهم في بروز بعض الظواهر الإجتماعية السلبية وغلبة الحمّى الإستهلاكية نحو الكماليات وأدوات الزينة وآخر صيحات الموضة ما لا يوجد في مجتمعات غير مسلمة!! مما هوّن في إهتماماتها وإضعف من همّها، فأصبحت أكثر ميولا للخرافات والشائعات وربما أعمال السحر والشعوذة، إن خضوع المرأة لميولها العاطفية بدرجة كبيرة على حساب العقل والمنطق إنعكس حتى على إستقرارها الأسري وقدرتها على إحتواء مشكلاتها الخاصة وأصبحت أكثر عرضة للإنسياق نحو الإثارة العاطفية أياً كان مصدرها.. وإعتقد أن هذه الحالة ليست حكراً على فئة خاصة في المجتمع وان تفاوتت درجاتها فالقواسم المشتركة بينهن تجعلها ظاهرة نسائية في مجتمعنا السعودي.
3= صحوة الفكر الحرّ المنطلق من مشكاة الشرع الحنيف ومقاصده الكلية والقادر على برمجته في مشاريع حضارية هو ما نأمله من النخب المثقفة، ولا يتم ذلك إلا بالفكر الواعي والتخطيط السليم والفعل الجماعي الذي يولّد مشاريعنا الإسلامية الحاضنة لكل المتغيرات الراهنة، دون الحاجة لإشغال الوقت وتضيع الجهد بالردّ أو الهجوم على المستورد الأجنبي وإن عَلت أسهمه في سوق مجتمعنا النسائي، فالأجيال القادمة تحمل تساؤلاتها الملّحة حول الحريات والحقوق والعدالة أو المساواة الكاملة مع الرجال وغيرها.... وأفضل إجابة لتلك التساؤلات الحتمية ما يرونه عياناً من مشاريع تنموية يندمجون فيها ويمارسون من خلالها دورهم في البناء وتصبح مفاهيم الحرية والعدالة والمساواة والنهضة والحضارة حقائق حاضرة في أنفسهن ومجتمعهن.. إن هذه الخطوة تأخرت بما فيه الكفاية، وقد حان الوقت لتصمت أبراج النخب العاجية وينطق العمل البنّاء ونغرس فسائل النخل المعطاء فالساعة لو قامت وبيد إحداكن فسيلة فلتغرسها!!
الكاتب: د. مسفر بن علي القحطاني.
المصدر: موقع رسالة المرأة.